حيثما تشتهي

 


حيثما تشتهي، تستريح القطط

في جيوب الصدى مرة

في تثاؤب جيرانها، 

في بيوض الغياب الطويل، 

النهايات، في الصمت خلف النقط

تفرشُ الوقت ما بين نسيانه وتذكره

وتنام عليه، 

تستريح به أو إليه

في شعوري بمن نحو هاويتي، جرّني

تستريح.. 

في غموضي الذي يتلفت لي

في بكائي الصريح

لا لشيء سوى لتجمّلَ حيث تنامُ

الفراغَ القبيح

أينما تتشهى تنام

على ظلّ عاديّنا، أو على قشعريرة ذاك الظلام

بين يأس ويأس، على لحية الأبد المتراخي

أمام القصيدة، في غفوات المرايا

تنام، لتوقظ فيّ طمأنينتي: 

ليس في نَفَس الصبحِ إلا قدوم المياه

وعودتها نحو أعماقها وهي في قارب الموج

كلُّ الذي خفته مرةً، يتشبث خنصرك المرتعش

فعش فيه أو لا تعش

لا تظنّ ولا تعتقد

لا تثق، تتأكد، لا تخش، لا من حسيس النهار

على عنق الانتظار الذي أنت صورته ترتعد

لا تخف من خطاك ولا خطئك

فإن القطط، 

إذا ما رأتك، ستعرفُ

تفرش فرو حقيقتها

تستريح، كما تشتهي

في طريقك هذا الذي لا يصل

في ارتجافك منه

وفي قدميك، في استقامة ظهر الصواب.. 

في استدارة حضن الغلط.


وأنا أهمّ بدفن جثماني

 


وأنا أهمّ بدفن جثماني، سأحلم بالقصيدة، كي أؤجلها 

وأمضي للختامِ 

أرتّب الموتى الذين سألتقيهم صدفةً، 

(لا شيء بعد الموت يستدعي التعجّلَ)

لي فراغُ الليل، أعرف فيه من كانوا

ومن سأكون فيهم. 

أدّعي أني الفقيد، وأن هذا الحزنَ من أجلي

وأصغي للبكاء عليّ في صمتٍ 

وأُطرِق كالمعزين الذين يحاولون تذكّري. 

وأمام هذا القبر، أعرف ما أنا، أو بعض ما أنا

قلتُ: فلتقع القصيدة في فِراش سوادها

منهوكةً عمياء. 

فلتقع القصيدة في احتضار اللحن، 

ترعفُ صمتَها وتكحّ ماضيها. 

وفلتقع القصيدة.... 

لا ضوء يلعقُ وجهها الذاوي

ولا كفٌّ تضمّدُ ما تفتّق من جروح وجودها. 

موتي سيبقى الحيَّ مني، الحيَّ منها

وهي واقفةٌ على قبري معي، وتئنُّ، تنظرُ نحو

عينيّ المغطاتين بالطين النديِّ.

ريش على رؤياي، أبصرها، وتبصرني

أكاد، ولا أرى الأشياء 

أبصرها تسرُّ لجثتي في الطين 

- قومي من حديقة صورتي 

انفتحي كأن الصدفة اصطدمت بسرّكِ 

وانفري مني، اتبعيني، لا أكادْ...

أنا ووهمُ قصيدتي والقبرُ 

كلٌّ هاربٌ والدربُ واحدةٌ 

ولكنّ النجاةَ عديدةٌ  

لا حلمَ في هذي الأصابع

كلّها موتٌ، فلا تكتب، ولا تمحُ الذي

كتبتهُ كفُّ الموت.. 

ما فيها ارتعاشٌ يكتب المعنى ويشطبه

تُذكِّرني بهمهمة الغزاة 

على مشارف قلعةٍ مهزومةٍ 

ويجّرني حزني كأني جثة في الماء

تطفو الأمنيات عليّ

تنسرب الحكايا من مخيّلتي 

أخافُ بأنني أيقظتُ هذا الحزنَ 

في جيراني الموتى، أحاولُ أن أهدّئهم..

- أأنت أنرتَ هذا اللون في لغتي؟ خفيفاً داكناً

- خيلٌ تمزّق في قوائمها الظلام، 

فأشعلت شِعراً وأطفأت الحقيقة 

- أنتَ أوريتَ اليباب 

بذلك العصفور في ثوبي؟ 

تقولُ قصيدتي لي: 

- لم تعد ميتاً، بعثتُك حينما أعطيتني عينيك 

فانهض من سباتِك، وارتجلني مرةً أخرى

تذكّرني، انسني. 

لا شيء غير الموت يستدعي التعجّل، 

فاتركِ الجثمانَ مطروحاً بهيئته 

وخذ شمسَ المساءِ لقبرِك الطينيّ

واتركني هنا، في ظلمتي، أتحسّسُ الأشياءَ

واترك لي البكاءَ عليك، 

أخلقْ -مثلما منهُ خلقتك- شاعراً يسعى معي

لأريه موضع قبرِهِ، وأعيدُ ترتيبَ الفراغ.